بسم الله الرحمن الرحيم
زكاه الفطر و مشروعيتها كلنا نعلمها و كن الخلاف الدائم بين كونها تجوز ان تكون نقداً او ضرورة اخراجها طعام ؟ خلاف مستمر على مر العصور
و ان شاء الله نطرح بعض الاراء لعل الله ينفع بها
اراء توجب اخراجها طعام :
يقول الشيخ محمد أولى الأنصاري أحد علماء الفقه الشرعي في المدينة المنورة، ان المذاهب الأربعة اختلفت في نوع الطعام الذي تجب فيه زكاة الفطر، حيث ذهب الامامان مالك والشافعي إلى وجوبها في غالب قوت أهل البلد، وذهب الامامان أبو حنيفة وأحمد إلى وجوبها في البر والتمر والشعير والزبيب والإقط (الجبن المتخذ من اللبن الحامض) ودقيق البر والشعير بالتخيير بين هذه الأشياء، وأيها أخرج المزكي أجزأه، إلا أن الإمام أبو حنيفة لا يرى الإجزاء بالإقط، وزاد الإمام أبو حنيفة باجزاء دفع القيمة ولم يجز ذلك غيره من المذاهب الأخرى مع اتفاق الأئمة الأربعة ومنهم أبو حنيفة على أن إخراجها من الأصناف السابقة أفضل لتنصيص المشرع عليها.
وأوضح الشيخ الأنصاري أن سبب الخلاف بين المذاهب حول الشيء الذي تجب فيه زكاة الفطر، هو الاختلاف في مفهوم حديث أبي سعيد الخدري المتفق عليه والذي جاء فيه (كنا نخرج زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من إقط) حيث فهم بعض العلماء أن تعيين الشارع لهذه الأصناف أمر لا اجتهاد فيه، بينما فهم آخرون أنها كانت غالب قوت أهل البلد وأجازوا إخراج غيرها.
احد اراء من اجازوا اخراجها نقود: فتوى مهمة للعلامة الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله
ثَبَتَ عن النَّبِيِّ ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ أنه أخرَج وأمَرَ بأن يُخرِجَ مَن كان مقتدرًا زكاةً عن فطره في آخر رمضان ـ بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العيد ـ مقدارُها عن نفسه وعن كل فرد تحت ولايته ومئونته صاعٌ من البُرِّ (القمح)، أو نصفُ صاع منه، بحسب اختلاف الرواية، أو صاع من الشعير أو من التمر أو الزبيب أو الأَقِط وذلك معونة للفقراء بمناسبة عيد الفطر عَقِبَ شهر الصيام.
ورُوِيَ أنه ـ عليه الصّلاة والسلام ـ قال: "أغنوهم في هذا اليوم". ولم يُنْقَلْ في ذلك خلافٌ يعرف في الصدر الأول من الإسلام بين الصَّحابة والتابعين، فكان الناس يخرجون زكاة فطرهم ممّا يتيسَّر لهم من هذه الأموال الغذائية الخمسة سوى ما نُقل من اختلافهم بالنسبة إلى البُرِّ (القمح) بسب اختلاف الرواية فيه: هل يُخرج منه نصفَ صاع أو صاعًا كاملاً كالشَّعير؟
وواضح جدًّا من قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام: "أغْنُوهم في هذا اليوم"أن المقصودَ الأساسيَّ من هذه العبادة المالية هو إغناء الفقير في هذا اليوم، يوم الفرحة والسرور، وليس المقصود نوعًا أو أنواعًا معينةً بذاتها من الأموال، بدليل أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ جمع بين خمسة أنواع من الأطعمة الميسورة للناس في ذلك الوقت مختلفة الوظائف: فمنها غذاء أساسي لسدِّ الجوع، ومنها ما هو للتحلية والتَّسلية في يوم الفرحة كالزَّبيب.
وأما أنَّ النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لم يذكر الدنانير والدراهم في زكاة الفطر، ولم يُنقل عن أحد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنه أخرجَ بها، فذلك سببه أنها كانت قليلةً في ذلك الوقت لا يَتوافَر منها إلا القليل لدى القليل من الناس، ومعظم أموالِهم التي كانوا يتداوَلونها ويتبادلون بها كأنَّها نقود، قد كانت هذه الأنواع الغذائية التي وردت في حديث زكاة الفطر، وأنواع الأنعام لدى أهل البوادي من الإبل والغَنم والبقر.
إن زكاة الأموال ـ وهي أعظم عبادة مالية في تكاليف الإسلام، مع أن الله تعالى قال فيها: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِمْ بِهَا..)، التوبة: 103 ممّا يُشعِر ظاهرُه أنها يجب أن تؤخَذ من عين المال المُرادِ تزكيته ـ يصحُّ بالإجماع أن يخرج الإنسان ما يعادِل قيمتَها من النقود، بل من مال آخرَ لديه؛ لأن مقصودَ الزكاة أن يتخلى المكلَّف عن قدر من ثروتِه محدد إلى الفقراء كيلا يبقَى المجتمع الإسلامي متكوِّنًا من مَتخومين ومحرومين. وأفضل ما يتخلَّى عنه المكلَّف من ثروته لمصلحة الفقراء هو النقودُ، التي يستطيع بها الفقير وفاءَ جميع حاجاته، وتحصيلها بكلِّ يسر، في حين لو اجتمع لديه مجموعة من الأرزاق بأعيانها لا يستطيع أن يستفيدَ منها ما يستفيد من النقود. على أن المزكِّيَ لو أرادَ أن يُخرج زكاتَه من أعيان المال الذي عنده لكان مقبولاً منه؛ لأنه قد يكون هو الأيسر عليه، وأن سياسة الإسلام التيسيرُ على المكلَّف.