الصبر على ابتلاء الله وامتحانه:
يبتلى الله عباده بأنواع من المصائب مالامراض، ونقص في الأموال والأنفس، وهذا كله مما لا كسب للإنسان، بل فعل الله بالعبد امتحاناً وتمحيصاً وتطهيراً.
والصبر على هذا النوع من المقدورات من أعلى المقامات، لأن سنده اليقين في ثواب الله، وحسن عوضه،
وأنه أرحم الراحمين لا يفعل ذلك بعبده إلا لحكمة يعلمها، وإلا لمصلحة ذلك العبد إما عاجلاً أو آجلاً. وما دامت هذه الابتلاءات ليست من كسب العبد، ولا حيلة له فيها أو معها، فالأفضل له الصبر عليها،
واحتساب مشقتها على الله تعالى. والنصوص في فضل هذا النوع من الصبر كثيرة، ومواقف الصالحين من عباد الله في هذا الخصوص عديدة دالة على عظم يقينهم في وعد الله، وانتظارهم ثوابه جل وعلا.
يقول الله تبارك و تعالى فى حديث قدسى
(إن من استسلم لقضائى , و رضى بحكمى , و صبر على بلائى بعثته يوم القيامة مع الصديقين )
يقول حديث قدسى آخر :
( انطلقوا يا ملائكتى إلى عبدى فصبوا عليه البلاء صباً ..
فيصبون عليه البلاء , فيحمد الله
فيرجعون فيقولون : يا ربنا , صببنا عليه البلاء كما أمرتنا
فيقول : ارجعوا فإنى أحب أن أسمع صوته )
و عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: { ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها } [متفق عليه].
ومن حديث سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يارسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: { الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خُفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة } [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
ومن المواقف التي تؤنس العبد، ما يروى من سيرة بعض العلماء والصالحين،
فقد روى ثابت البناني قال:
( مات عبدالله بن مطرف، فخرج مطرف على قومه في ثياب حسنة، وقد أدهن فغضبوا وقالوا: يموت عبدالله، ثم تخرج في ثياب من هذه مدهناً؟
قال: أفأستكين لها، وقد وعدني ربي تبارك وتعالى ثلاث خصال، كل خصلة منها أحب إليّ من الدنيا وما فيها،
ثم تلا قوله تعالى: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون [البقرة،157:156].
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( من إجلال ومعرفة حقه، ألا تشكو وجعك، ولا تذكر مصيبتك ).
وقال رجل للإمام أحمد رحمه الله: كيف تجدك يا أبا عبدالله؟ قال: بخير في عافية، فقال له: حممت (أي أصبت بالحمى) البارحة؟ قال: إذا قلت لك: أنا في عافية فحسبك، ولاتخرجني إلى ما أكره.
و كثر هى الاحاديث النبويه و القدسيه التى تخبرنا منزلة الصبر على شتى الابتلاءات :
من فقد عينيه:
وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:
( إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتَيْهِ فصبر، عوضته منهما الجنة يقصد عينيه
من فقد ابن له :
عن أبى سنان قال : دفت أبنى سنانا و أبو طلحه الخلانى جالس على شفير القبر ، فلما أردت الخروج أخذ بيدى فقال الا ابشرك يا ابا سنان ؟
قلت بلى ، قال حدثنى الضحاك عن عبد الرحمن بن عرزب عن ابى موسى الاشعرى : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : اذا مات ولد العبدد يقول الله لملائكته قبضتم ولد عبدى ؟
فيقولون : نعم
فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟
فيقولون : نعم
فيقول : ماذا قال عبدى
فيقولون حمدك و استرجع ( اى قال ان لله و ان اليه راجعون )
فيقولُ اللهُ: ابنوا لِعبدي بيتاً في الجَنَّةِ وسموهُ بيتَ الحمدِ
من فقد رفيق :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه، إلا الجنة
الفقر:
وروى الترمذي من حديث ابن عباس الدوري عن المقبري عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو بن جابر الحضرمي عن جابر بن عبد الله عن النبي أنه قال ((يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا ))
وقال الأمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا دويد عن سليم بن بشير عن عكرمة عن أبن عباس قال قال رسول الله(( التقى مؤمنان على باب الجنة مؤمن غني ومؤمن فقير كانا في الدنيا فأدخل الفقير الجنة وحبس الغني ما شاء الله أن يحبس ثم أدخل الجنة فلقيه الفقير فقال أي أخي ماذ حبسك والله لقد احتبست حتى خفت عليك فيقول أي أخي أني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ما وصلت إليك حتى سال مني العرق ما لو ورده ألف
بعير كلها أكله حمض لصدرت عنه ))
و لتحصيل هذه المنزلة العظيمة، منزلة الصبر بجميع أنواعه، فليشمر المشمرون، للدخول في زمرة عباد الله المخلصين.. الأنبياء، والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
طرق تحقيق منزلة الصبر
لما لهذه المنزلة من المكانة في الدين، ولما غلب على سلف هذه الأمة، علمائها وصالحيها، من التحلي بها والتواصي بها، يجدر أن نتعرف على الأسباب المعينة على التحلي بالصبر،
لأنه دواء لكثير من العلل والأمراض النفسية بل والعضوية كذلك. ولكنه دواءاً احتاج إلى قوة في النفس والإرادة لتحمله، لأنه محتف بمرارة الدواء، وكذلك يشق على كثير من الناس، إلا من وفقه الله تعالى
فالصبر من الأدوية التي أنزلها الله تعالى لكثير الأدواء، وقدر به الشفاء، وهو وإن كان شاقاً كما سبق فإن تحصيله يمكن إذا تحقق أمران هما العلم والعمل.
، العلم بالوسائل المشروعة، والطرق الشرعية بتهذيب النفس، والعمل على تحقيق تلك الوسائل، وبذلك يستعان - بعد الله تعالى - على تحمل الصبر، وفيه تحقيق حسنيين هما:
1- طاعة الله بالصبر على المكاره والتكاليف وبالصبر عن المعاصي.
2- ثواب الله الذي ذكره في كتابه بقوله: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [الزمر:10] وقوله: ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [النحل:96].
اللهم اجعلنا من الصابرين